مفهوم التوافق الدولي للمحاسبة

تثير معظم المصطلحات عند نقلها من لغة لأخرى إشكالية في تفسيرها ووضعها في نصابها والأكثر من ذلك نجد أن هناك اختلافات للتفسير في نطاق اللغة الواحدة. لهذا كان تعدد التفسيرات لنفس المصطلح من دراسة لأخرى شيء وارد خصوصا في الدراسات الاجتماعية. ولحسم هذه الإشكالية، قد يكون الركون إلى المعاجم العربية ما أمكن سبيلا لاستبانت علاقة التاثر بين المصطلح ومفهومه، انطلاقا مما هو وارد بالأدب. استنادا على ما تقدم، لا نجد مناصا من طرح المصطلحات الشائعة في أدب التوافق الدولي للمحاسبة.
إن أكثر المصطلحات شيوعا في أدب التوافق الدولي للمحاسبة التوافق harmonization والمعايرةStandardization . حيث يرى Ménard بان المعايرة هي تقليل للبدائل المحاسبية وبأنها الهدف النهائي للتوحيد uniformity. على النقيض من ذلك، نجد أن Haller and Walton يستخدمان نفس التعريف كمفهوم للتطبيعnormalization ، لذلك نجد أن تعريف التوافق أو المعايرة يعتمد على الباحث في إطار انتقاء ما يناسب سياق البحث ويخدم أغراضه ولا يخرج عن المفهوم العام سواء في اللغة أو العلم.
انطلاقا من هذه الخلفية سيكون من المفيد طرح المصطلحات الشائعة التالية: التوافق harmonization والتطبيع normalization والمعايرة Standardization، حيث تعبر هذه المصطلحات عن المراحل التي يمر بها التوافق الدولي للمحاسبة.
التوافق هناك تعريفات عدة للتوافق فهي متفاوتة ما بين المتشددة والمرنة. فالفريق الأول (المتشدد) ينظر للتوافق على انه "عملية تقليل في بدائل الاختيارات المحاسبية وزيادة الاتساق بين أساليبها؛ من أنصار هذا الفريق Nobes and Parker؛ في حين يرى الفريق الثاني بان التوافق عبارة عن تقريب بين وجهات النظر المختلفة، فهو يقنع نفسه بغياب الاختلاف بين الأساليب المحاسبية ليتفادى النزاع المنطقي؛ من أنصار هذا الفريق Choi and Mueller, Meek and Saudagaran. إن هذا الاختلاف في تفسير التوافق قد يكون راجعا لدرجة الاعتماد على التفسير اللغوي. فالتوافق في اللغة الانجليزية هو "توحيد الأنظمة أو القواعد على مستوى الأفراد أو الدول أو المنظمات" وبالتالي كان الفريق الأول مستندا إلى التفسير اللغوي. في حين ان التوافق في اللغة العربية هو "أن يسلك الفرد مسلك الجماعة ويتجنب ما عنده من شذوذ في الخلق والسلوك" وبالتالي كان الفريق الثاني متمشي مع مفهوم التوافق في اللغة العربية. غير ان الباحث يرى بأنه في الإمكان الجمع بين وجهتي نظر الفريقين، من منطلق أن التقريب بين وجهات النظر بحسب ما يرى الفريق الثاني سيؤدي بالضرورة إلى تقليل في بدائل الاختيارات المحاسبية وزيادة الاتساق بين أساليبها، وبهذا يمكن تعريف التوافق بأنه "تقليل في بدائل الاختيارات المحاسبية وزيادة الاتساق بين أساليبها من خلال التقريب بين وجهات النظر المختلفة".
التطبيع استخدم هذا المصطلح في البلدان الأوروبية غير الناطقة بالانجليزية، حيث اعتبر هذا المصطلح مرادفا للمعايرة، فكلمة norm بالانجليزية تعني معيار كذلك في الفرنسية والايطالية، وعند ترجمتهم لكلمة normalization التي تعني بالانجليزية تطبيع، نقلها الأوروبيون على أنها معايرة. وبسبب هذا التشويش في المصطلح، كان لزام علينا تعريفه لكي نحدد موقعه بين التوافق والمعايرة. ففي فترة التوافق ستكون هناك قواعد محاسبية غير صارمة، أي تسمح بتعدد البدائل للاختيارات المحاسبية. وبينما تسير عملية التوافق، ستصبح هذه القواعد "مطبعة" أي تكون أكثر صرامة، مما يؤدي إلى التقليل من بدائل الاختيارات المحاسبية. بهذا كان التطبيع "حركة نحو التوحيد". على أن التوحيد يتحقق في مرحلة المعايرة. لذا شكل التطبيع مرحلة متوسطة بين التوافق والمعايرة.
المعايرة هي الفترة التي نصل فيها إلى التوحيد أو نقترب منه وهي أكثر طموحا من التوافق والتطبيع ذلك لان المعايرة تعني تبني مجموعة وحيدة من القواعد المحاسبية يتم تطبيقها على مستوى العالم. بهذا كانت المعايرة المرحلة الأخيرة في التوافق الدولي للمحاسبة


تعليقات